بحث عن أبو بكر الرازي : أمير الأطباء

بحث عن أبو بكر الرازي . في موضوع اليوم ، سنقف بكم أمام رجل فريد في عصره وعلمه واتساع أفقه . رجل أخذ على عاتقه حمل رسالة الطب بكل ما تقتضيه الأمانة من خدمة ومعنى .

رجل برع في الطب والكيمياء والفلسفة والمنطق والهندسة ، ولذلك كان يسمى : جالينوس العرب ، إنه أمير الأطباء الرازي .

من هو أبو بكر الرازي ؟

 

هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي ، ولد بمدينة الري جنوب طهران سنة 854 ، تعلم الموسيقى في شبابه ، وكان يضرب على العود ، ويغني ، ولكنه ضاق ذرعا بالفراغ الذي كان يعانيه ، فعزف عن الغناء وقال : كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف .

انطلق إلى بغداد عاصمة العلوم ، وقبلة المتعطشين للعلم والمعرفة ، ، فدرس الفلسفة والأدب وعلوم القرآن قبل أن يدرس الطب ، وأقبل على دراسة كتب الطب ، فأخذ ينهل من علوم الإغريق والهند والفرس ، فبرع في الطب والكيمياء والفلسفة وعرف أسرارها .

وبالتالي فقد تشكل في الأفق اسم يحمل وزنا ثقيلا في عالم الطب ، بل إن الكثيرين يرجحون الرازي على ابن سينا في علوم الطب ، في حين يرجحون ابن سينا على الرازي في الفلسفة ، فابن سينا طبيب فيلسوف ، والرازي طبيب كيميائي عالم .

 

إنجازات أبو بكر الرازي

 

– كلفه الملك عضد الدولة واستشاره في بناء المستشفى ( البيمارستان ) ، فلجأ الرازي إلى طريقة علمية ذكية ورائعة ، حيث أمر بعض الغلمان بتعليق قطع من اللحم في كل ناحية من بغداد ، ثم أشار بأن يبنى المستشفى في الناحية التي ظل بها اللحم بغير فساد أطول وقت ممكن .

– اختير من بين مائة طبيب في ذلك الوقت ليكون رئيسا للأطباء في المستشفى الكبير .

– يُعتبر الرازي أول من اهتم الاهتمام البالغ بفحص المريض وملاحظته عمليا وهو ما يسمى بالفحص السريري .

– كان يعالج بعض الأمراض بالأغذية دون الأدوية ، اعتقادا منه بأن نقصها كان السبب في حدوث الأمراض .

– أدرك الرازي ما للموسيقى من أثر حسن على نفوس المرضى ، فكانت لونا من ألوان العلاج ، كما عرف أثر الضوء على حدقة العيون واتساعها ليلا ، وانكماشها نهارا .

– يُعتبر الرازي أول رائد للكيمياء العلمية ، حيث قسم المواد المعدنية إلى ستة أقسام بحسب طبائعها وصفاتها ، ويعتبر أول من استعمل حامض الكبرتيك وأطلق عليه اسم : زيت الزاج ، وقسم جميع المواد التي عرفت في عصره إلى مواد معدنية ونباتية وحيوانية ومشتقة .

 

الرازي يحارب الشعوذة

 

لقد احترم الرازي قدسية مهنة الطب ، فظل يحارب جميع أنواع وأساليب الدجل والشعوذة التي انتشرت في ذلك العهد ، حيث كانت هناك شائعات بين الناس تؤكد أن شفاء المرضى يأتي عن طريق قوى خفية ، فاستسلم الناس للخرافات والأوهام .

لكن الرازي حارب هذه الخرافات بعلمه الذي وهبه الله إياه ، فشرع ينشر الثقافة الطبية للناس ويعلمهم أصول التداوي حتى يتمتعوا بجسد وعقل سليمين .

 

الرازي الطبيب الرحيم

 

لقد كان هذا الطبيب العظيم إنسان خلوقا ورحيما بالناس ، فكان يعتني بمرضاه أشد العناية ويهتم بأدق تفاصيلهم المرضية والنفسية ، بل كان يطالب الأطباء دائما أن يوهموا مرضاهم الذين لا أمل في شفائهم بالصحة ويرجوهم بها ، وإن لم يثقوا بذلك معتقدا أن مزاج الجسم تابع للحالة النفسية .

في الوقت الذي كان أطباء العرب يعتقدون أن المرض المستعصي ما هو إلا لعنة أو مس شيطاني جراء ارتكاب صاحبه لذنب عظيم ، فكان المرضى يُقيَّدون ويسجنون ويعزلون عن العالم .

 

من أشهر كتب الرازي

 

تبلغ مؤلفات الرازي نحو 224 كتابا في الطب ، والطبيعيات ، والمنطقيات ، والرياضيات ، والفلسفة ، والتفاسير ، والكيمياء ، والإلهيات ، وعلوم ما وراء الطبيعة ، ونذكر منها :

 

كتاب الحاوي في الطب

 

يعتبر من أهم الكتب والموسوعات الطبية الكبيرة ، حيث اشتمل على أبحاث كثيرة في أمراض الرأس وأوجاع العصب وأمراض العيون والأنف والأذن والأسنان ، وظل هذا الكتاب مرجعا طبيا أساسيا في أوروبا لمدة تزيد عن 400 عام ، حيث ترجم إلى اللاتينية مرتين .

 

كتاب سر الأسرار

 

كتاب يشرح فيه منهجه في البحث والتجربة الكيميائية ، ووصف الأدوات والأجهزة المستخدمة في هذه التجارب ، وقد أحرز بذلك تفوقا في علم الكيمياء ، حيث يعتبر أول من استخرج الكحول عن طريق تقطير المواد النشوية والسكرية المتخمرة ليستعملها في تحضير بعض الأدوية .

 

كتاب الجدري والحصبة

 

من أهم الكتب التي تناولت الأمراض الوبائية وتوسع في البحث عنها ، وقد ترجم إلى الإنجليزية والفرنسية .

– كتاب الطب الروحاني .

– كتاب المنصوري : في التشريح .

– كتاب الجامع .

– كتاب برء الساعة .

– كتاب هيئة العالم .

– كتاب من لا يحضره الطبيب .

 

من أقوال الرازي في الطب

 

– ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ، ويرجيه بها ، وإن كان غير واثق بذلك ، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس .

– ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يوثق به من الأطباء ، فخطأه في جنب صوابه يسير جدا .

– من تطبب عند كثير من الأطباء يوشك أن يقع في خطأ كل واحد منهم .

– العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض ، فعليك بالأشهر مما أجمع عليه ، ودع الشاذ واقتصر على ما جربت .

– الناقهون من المرض إذا اشتهوا من الطعام ما يضرهم ، فيجب على الطبيب أن يحتال في تدبير ذلك الطعام وصرفه إلى كيفية موافقة ولا يمنعهم ما يشتهون البتة .

– إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة .

 

قالوا عن الرازي

 

– يقول الدوميلي في كتابه ‘ العلم عند العرب ‘ : يجب أن يعتبر الرازي أعظم أطباء العرب …لأنه لم يكن طبيبا عظيما فحسب ، بل كان كذلك كيميائيا ذا مقام رفيع ، وعالما طبيعيا ، وجمّاعا للعلم موسوعيا ، كما كان عليه علماء ذلك الزمان .

– يقول ابن أبي أصبيعة : كان الرازي ذكيا فطنا ، رؤوفا بالمرضى مجتهدا في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه . مواضبا النظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها .

– يقول ابن خلكان : كان الرازي إمام وقته في علم الطب ، وكان متقنا لهذه الصناعة حاذقا بها ، عارفا بأوضاعها وقوانينها ، تشد إليه الرحال لأخذها عنه .

– يقول كامبل في كتابه ‘ الطب العربي ‘ : لقد أجمع المستشرقون والمشتغلون بتاريخ الطب على أن الرازي أعظم طبيب أنجبته النهضة الإسلامية بل استثناء ، ووضعه بعضهم على قدم المساواة مع أبقراط .

 

وفاة أبو بكر الرازي

 

انتقل الرازي إلى رحمة ربه سنة 932 ، ومات فقيرا معدما ، بعد أن ضاقت نفوس أعدائه بشهرته ، وبكرمه ، فلفقوا له التهم ، وأوغروا صدر الخليفة عليه ، فأبعده عن بغداد ، وحرمه من كل المناصب ، ولقد أصيب بالعمى جراء مرض طال عينيه .

ولقد جاءه طبيب ليجري له عملية جراحية في عينيه ، ولكنه سأل الطبيب قبل أن يباشر عمله عن عدد طبقات أنسجة العين ، فاضطرب وسكت ، عندئذ قال الرازي : إن من يجهل جواب هذا السؤال عليه أن لا يمسك بأية آلة يعبث بها في عيني .

مات – رحمه الله – رغم كل المحاولات في إقناعه بإجراء العملية ، وكان من آخر كلامه : لقد شاهدت الكثير من هذا العالم وقد شبعت .

اقرأ أيضا : بحث عن ابن سينا : شيخ الأطباء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *