بحث عن ابن سينا : شيخ الأطباء

بحث عن ابن سينا . في مقال اليوم ، سنتحدث عن نابغة وعالم ومفكر قطف من كل بستان علم زهرة ، فأجاد وبرع ، وتفنن فأدهش ، شيخ رئيس في الطب ، ومفكر باحث في الفلسفة وشتى العلوم ، إنه العالم والطبيب الكبير ابن سينا .

من هو ابن سينا ؟

 

هو أبو علي الحسين بن عبد الله علي بن سينا ، ولد عام 980 ميلادية ، في قرية جميلة من قرى بخارى ( تقع بأوزبكستان حاليا ) ، في كنف أسرة ميسورة الحال ، الشيء الذي مكن له أن يسلك سبل العلم منذ نعومة أظافره .

فعهد به والده إلى كبار الشيوخ والعلماء ، وهنا تفجرت موهبة غير مسبوقة لنابغتنا الصغير ، إذ أبدى براعة وسرعة بديهة في فهم الدروس وإدراكها ، حتى أنه حفظ القرآن وهو بعد في العاشرة من عمره .

يتحدث الشيخ الرئيس ابن سينا عن نفسه فيقول : ‘ عندما يقبل الليل كنت أجلس إلى مصباحي أقرأ وأدون وكنت أغفو أحيانا إذا أرهقني التعب وكثيرا ما كنت أهرع إلى المسجد ضارعا إلى الله أن ينير بصيرتي حتى يتاح لي فهم ما استعصى علي من مسائل الحساب ‘ .

ولقد رأى فيه معلمه علامات النبوغ المبكر حتى أنه قال لوالده : ‘ سيكون لابنك هذا مستقبل عظيم ، إنني أتنبأ له بأنه سيكون من أعلم العلماء وأحكم الحكماء ‘ .

 

ابن سينا يعالج السلطان من مرض عضال !

 

لقد كان حرص ابن سينا في النهل من العلوم والكتب يفوق التصور ، فانكب على دراسة الفلسفة اليونانية والعربية وكبار حكمائها أمثال ابن رشد ، الفارابي ، أرسطو .

ولأن الإحاطة بهذا العلم يتطلب أن تحيط بشتى العلوم الأخرى ، فقد شد الشيخ الرئيس مأزره وفتح عقله وقلبه ، فغاص في أعماق بحور العلم من منطق ورياضيات وكيمياء وموسيقى وطب وحكمة .

وكما تنبأ معلمه فقد أثبت تفوقه في هذه العلوم وتميزه فيها ، إلا أنه كان يجد نفسه أقرب ما يكون للطب ومعارفه ، لذا فقد استأثر هذا العلم بحصة الأسد من اهتمام الشيخ الرئيس ، وكان له ذلك .

ويروى عنه أنه تمكن من علاج سلطان بخارى من مرض عضال عجز عنه كبار أطباء البلاد ، وكان ابن سينا وقتها في الثامنة عشرة من عمره ، الشيء الذي طبع على صدره وسام شيخ الأطباء ورئيسهم بدون منازع .

وقد كرمه السلطان وسمح له بأن يدخل إلى مكتبته الكبيرة الخاصة وينهل ما يشاء من كتبها الثمينة والنادرة ، وتلك كانت أعظم هدية يتلقاها ابن سينا في حياته ، وهذا دأب العلماء حيث لم يكن المال مبلغ همهم ولا غاية علمهم .

 

فلسفة ابن سينا

 

إلى جانب تفوق شيخ الأطباء ابن سينا في الطب ، فقد أثبت تفوقا أكبر في الفلسفة ، إذ اكتسب معرفة غزيرة من اطلاعه على الفلسفة اليونانية والعربية ، وبالتالي خرج بنظرة حيادية خاصة لم تتوقف عند نقل أفكار الفلاسفة وترجمتها ، بل نقدها وترسيخ فلسفة إسلامية علمية خاصة لا تشوبها شائبة .

فالفلسفة عند ابن سينا ترتكز على ثلاثة دعائم : معرفة فطرية تتدرج إلى إدراك حدسي وعقلي ، ثم منطق سليم يؤثث هذه المعرفة ويحفظ ثباتها ، و أخلاق سامية تضبط النفس وتنقيها من شوائب الأفكار الدنسة .

ويعد كتابه ” الشفاء ” دليلا ضخما للدراسات الفلسفية المعمقة حتى أنه كان مصدر إلهام للأوروبيين في عصر نهضتهم ، فعنوا بترجمته وباقي مؤلفاته ، وأضحت منهاجا تعليميا يدرس في جامعاتهم .

 

ابن سينا طبيب النفس البارع

 

لم يقتصر الطبيب ابن سينا على علاج الأمراض البدنية التي تصيب الجسد وتفتك به ، بل تعدى ذلك إلى معالجة الأمراض النفسية المستعصية التي تنخر الجسد داخليا بدون أن تظهر أي عرض أو داء ، وهذا لم يتميز به أي طبيب آخر سواه .

 

ابن سينا والمريض العاشق

 

ومن القصص التي تروى عنه في هذا الشأن ، أنه حل ضيفا على أحد الأمراء بجرجان ( مدينة بإيران ) وتصادف أن أحد أقاربه أصيب بمرض منعه عن الطعام والكلام حتى أنه كاد أن يهلك ، وعندما فحص ابن سينا المريض ، لم يجد في بدنه أي علة أو داء ، عنذئذ خطرت لابن سينا فكرة ، فأمسك بيد المريض وطلب من أهله أن يذكروا له أسماء شوارع مدينة جرجان .

فقال بعض أهل المريض بعض أسماء الشوارع ، وكان ابن سينا يلاحظ دقات قلب المريض ، وإذا بدقات القلب تزداد عندما سمع المريض اسم أحد الشوارع ، وهو ‘ شارع الرشيد ‘ ، فطلب منهم ابن سينا أن يذكروا له أسماء الأزقة وأصحاب البيوت فيها ، فذكروا له ما أراد إلى أن وصلوا إلى ” بيت الشيخ علي ” ، فقال ابن سينا : ومن هم أولاد الشيخ علي ؟

فقيل له : بنتان وولد .

فقال : وما أسماء بناته ؟

فقيل له : الكبرى اسمها أميرة ، والصغرى سهاد .

وعندئذ لاحظ ابن سينا زيادة نبض المريض عندما سمع اسم سهاد فقال : هناك علاقة بين مرض هذا الشاب وهذه الفتاة .

فتعجب الحاضرون من ذلك وطلب منه والد المريض أن يتحدثا على انفراد ، وأخبره بأنه رفض زواج ابنه من هذه الفتاة وعارض رغبته ، حينها صارحه ابن سينا بأن الدواء الوحيد لعلة ابنه هو زواجه من هذه الفتاة .

وبالفعل ما إن وافق والده وأسرع ابن سينا يبلغه بالخبر حتى انفرجت أساريره وابتسم في رضا ، وطلب الطعام ، وانحلت عقدة لسانه وكأن معجزة إلهية نزلت به .

وهكذا أثبت الظاهرة ابن سينا أنه الأبرع في زمانه وشيخ الأطباء الخالد على مر العصور ، فلم يأخذ من الطب مبادئه العامة ، بل توسع فيه وتجاوز مفهومه المادي البحت إلى الجانب النفسي الباطني ، فقد كان مؤمنا بأن علل النفس قد تؤدي إلى علل البدن ، وأن علاج النفس لابد أن يؤدي إلى شفاء البدن في أغلب الأحيان .

 

مؤلفات ابن سينا

 

القانون في الطب

 

من أهم وأعظم الكتب الطبية التي ألفها الشيخ الرئيس ابن سينا ، إذ يعتبر بحق موسوعة طبية متكاملة ، للعناية الشديدة التي أولاها إياه .

وقد راكم في هذا الكتاب خلاصة تجاربه ومعرفته الطبية ، حيث لم يدع مجالا طبيا إلا وصنفه ، فمن طريقة تحضير العقاقير والأدوية وتشخيص أنواع الأمراض التي تصيب الإنسان ، إلى وصف الأدوية المناسبة لها وتحديد المقادير والجرعات المناسبة ، وذلك بدقة علمية متناهية ، جعلت الأوروبيين يقتدون به وينبهرون أشد الانبهار من فخامة هذا الكتاب .

ولقد ظل كتاب القانون هو المرجع الأساسي لجميع أطباء العالم حتى القرن السابع عشر الميلادي ، فترجم وطبع إلى عدة لغات ،وظلت جامعات أوروبا تعتمده كمنهجا رئيسيا في مقرراتها ، حتى أن أشهر طبيب في أوروبا آنذاك وهو السير وليام أوسلر قال عن كتاب القانون : ” إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن ” .

 

كتاب الشفاء لابن سينا

 

كتاب لا يقل أهمية عن نظيره القانون ، إذ تطرق فيه إلى نظرية الفلسفة وعلوم المنطق والطبيعة بشكل يدعو إلى الدهشة والإعجاب ، إذ أثبت تفوقه الشديد بقوة حجته ونقده للفلسفة اليونانية ووضع نظريات وأسس خاصة بالفلسفة القويمة دون أن يتكلف أو يخوض بغير علم .

إضافة إلى ذلك فقد عدّ لابن سينا أكثر من مائة كتاب في مختلف العلوم ( رياضيات – ترجمة – موسيقى – فلك ) إن لقب الأسطورة قليل في حقه ، إنه مثال للإصرار وقوة العزيمة والإرادة ، فأتاه الله من فضله وفتح عليه أبواب العلم فغمره نوره .

 

أقوال ابن سينا

 

– بُلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم .

– الوهم نصف الداء ، و الاطمئنان نصف الدواء ، و الصبر أول خطوات الشفاء .

– مسكنات الأوجاع : المشي الطويل و الانشغال بما يُفرح الإنسان .

– حسبنا ما كُتِب من شروح لمذاهب القدماء ، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا .

– احذروا البطنة ، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام .

– منذ نزلت جوهرة الروح والتصقت بصدفة البدن …كان الإنسان الذي صاغه الله من ماء الحياة ، وبعد أن تكاملت جوهرة الوجود … طارت مخلِّفة ً الصدفة وراءها لتقتعد مكانها في دُرة تاج المُلك .

– ليسوا وإن نعموا عيشا سوى نعم  *  وربما نعمت في عيشها النَّعمُ

الواجدون غنى ، العادمون نهى *  ليس الذي وجدوا مثل الذي عدموا

 

وفاة ابن سينا

 

استمر ابن سينا في التنقل والترحال طلبا للعلم والجد بكل عزم وهمة ، وكان آخر مستقره بهمذان حيث ضعفت صحته ، فعكف بقية حياته يقرأ القرآن ، ويتصدق على الفقراء ، ويرد المظالم إلى أهلها ، وأعتق مماليكه .

واستمر على هذه الحال الطيبة إلى أن انتقل إلى جوار ربه يوم الجمعة من شهر رمضان سنة 1036 ميلادية وهو في الثامنة والخمسين من عمره .

اقرأ أيضا : بحث عن أبو بكر الرازي : أمير الأطباء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *