انشاء عن التسامح والعفو : تعريفه ، فوائده ، مبادئه ، أبعاده

بناء على طلبكم ، سنخصص في موضوع اليوم ” انشاء عن التسامح والعفو ” ، هذا السلوك الإنساني العظيم ، الذي تنبني عليه الأمم والحضارات ، وتعيش تحت رايته مختلف الشعوب متفقة ومتقبلة للأفكار والآراء والعيش بحرية وأمان ، دون ظلم أو تعدي على الحقوق .

قال سبحانه عز وجل : “ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” ( النور 22 ) .

انشاء عن التسامح ( 1 )

تعريف التسامح

إن مفهوم التسامح بمعناه الشمولي ، سلوك إنساني وحضاري ضروري للعيش المشترك بين البشر ، وهذا يعني أن تربي نفسك على قبول الآخر وهو يحمل أفكارا لا تتفق مع أفكارك .

فالتسامح يعني أن ننسى الماضي بآلامه ومشاكله ، وأن نعالج قلوبنا من البغض والكره ، والتخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين ، بسبب شيء ما قد حدث في الماضي ، إنه الرغبة في أن نفتح أعيننا على مزايا الآخرين ، بدل أن ننظر إلى عيوبهم وندينهم .

إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا . ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد .

والتسامح يعني أن نشعر بالرحمة و الحب والتعاطف ، ونعيش سلاما تنبض به قلوبنا ، تسامح عنوانه العفو الجميل ، والصفح الجميل ، وبذلك تنفتح أمامك أبواب الخير والسعادة والبهجة ، وتنغلق أبواب الخوف و صفات الشر و الحقد .

وديننا الحنيف يأمرنا بالصفح الجميل والإحسان ، و العفو عند المقدرة ، والحفاظ على حقوق و حرية الغير ، ونبذ الظلم والاعتداء . وهو شعار البعثة المحمدية العظيمة ، التي بعث النبي الكريم لغاية إتمام مكارم الأخلاق ، انطلاقا من الحديث الشريف : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” .

فوائد التسامح

 

إن أهمية وثقافة التسامح تقتضي أن لا تداس القيم ، وأن لا تنتهك الحقوق ، فلا يعني التسامح أن أتنازل عن حقوقي أو حريتي ، أو كرامتي .

إن المجتمع يعج بالانحراف والصراع والأذى ، وتأتي الدولة لكي تفرض حكم القانون ، كما أن أخلاقيات الأفراد الصالحين تجعلهم قدوة حسنة في السلوك الاجتماعي ، المهم أن نتجنب تكوين عداوة أساسها الاختلاف في المذهب الديني أو الفكري أو السياسي .

فقد تحصل خلافات حادة على المستوى السياسي بين الطبقات أو الفئات أو الأفراد ؛ وهي خلافات من سنة الحياة ، فمصالح البشر قد تدفعهم إلى الاصطدام عاجلا أو آجلا ، ولكن ثمة طرائق حضارية لمعالجة هذه المشاكل ، والتي تكون قائمة على المساواة واحترام حقوق الفرد وحرياته .

إن التعبير عن ثقافة التسامح يعني وضع المجتمع على سكته الطبيعية ، بغية أن يعيش ويتقدم في سلم وطمأنينة . ونحن لا نقول إن الحياة ستكون وردية وخالية من المشاكل والمنغصات ، ولكن نقول : إنها ستكون مقبولة في مقاييس الراحة الفردية والسلْم الاجتماعي .

وهذا ما تؤكد عليه دائما قرارات القمة العالمية للتسامح التي تنعقد بدولة الإمارات ، والتي استطاعت أن تتصدر المركز الأول في مؤشر ” التسامح ” ، بفضل تأكيدها الدائم بضرورة تقبل الرأي الآخر ونبذ الأذى والتعصب ، ونشر قيم التسامح والمودة والحب بين المجتمعات ، بالإضافة إلى التعامل السلمي والعقلاني مع أي مشاكل سياسية أو اجتماعية .

وخصصت دولة الإمارات جوائز ومؤتمرات من أجل تعزيز قيم التسامح ، لعل من أبرزها جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمية ، التي تنطلق من التعاليم الإسلامية السمحة ، وتتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال ، فضلا عن دورها في خلق قنوات للتواصل مع الشعوب كافة .

[wp_ad_camp_3]

انشاء عن التسامح ( 2 )

مبادئ التسامح

 

تقوم ثقافة التسامح على مبادئ أساسية تركز على ترسيخ المثل العليا ، وأبرز هذه المبادئ :

– مبدأ الاعتراف بوجود الآخر ، فهو ليس جمادا أو شجرة ، وإنما هو إنسان مثلي ومثلك .

– مبدأ حق الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف فكريا أو لغويا أو قوميا .

– مبدأ ضرورة التعاون والعيش المشترك بين البشر .

– مبدأ إدراك أضرار الانغلاق ، والابتعاد عن التعصب .

– مبدأ الوعي بأن الحقيقة لا تقع تحت سطح فلسفة واحدة أو فكر واحد ، وهي ليست مطلقة .

– مبدأ أن عقيدة الآخر لا تثير حنقي أو تحفظي .

– مبدأ إدراك أن التسامح لا يعني التقليل من شأني الخاص .

– مبدأ تفعيل الاحترام المتبادل والإيمان بالحوار و الرأي الحر .

– مبدأ الاستعداد بقبول رأي الآخر إن كان صوابا ، واحترامه إن لم يكن كذلك .

– مبدأ اعتبار التسامح وسيلة للارتقاء بالسلوك الفردي والاجتماعي .

وهذا ما يؤكد عليه الميثاق التأسيسي لليونسكو ، الذي ينص في ديباجته على أنه : ” كي لا يفشل السلم ، من المحتم أن يقوم على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر ” .

ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن : ” التربية يجب أن تهدف إلى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية ” .

 

الأبعاد الاجتماعية للتسامح

 

التسامح ضروري بين الأفراد وعلى صعيد الأسرة والمجتمع . وإن جهود تعزيز التسامح ، وتكوين المواقف القائمة على الانفتاح و المحبة ، وسماع الآخر ، ينبغي أن تبذل في المدارس والجامعات ، وفي المدارس وورش العمل . وبإمكان وسائل الإعلام الاتصال أن تساهم في تنمية هذه القيم وإبراز مخاطر اللامبالاة تجاه ظهور الأفكار والطوائف غير المتسامحة .

كما يؤكد إعلان اليونسكو بشأن العنصرية والتحيز العنصري ، أنه يجب أن تتخذ التدابير الكفيلة لضمان التساوي بالكرامة والحقوق للأفراد والجماعات ، حيث اقتضى الأمر ذلك .

وينبغي في هذا الصدد إيلاء اهتمام خاص بالفئات المستضعفة التي تعاني من الحرمان الاجتماعي أو الاقتصادي ، لضمان شمولها بحماية القانون وانتفاعها بالتدابير الاجتماعية السارية ، ولا سيما فيما يتعلق بالمسكن والعمل والرعاية الصحية ، وضمان احترام أصالتها وثقافتها .

ينبغي أن يعتمد التعليم على أساليب منهجية وعقلانية تتبنى قيم التسامح والتضامن والتفاهم بين الأفراد ، ومحاربة قيم العنف والاستعباد ، ورفض مشاركة الغير ومساعدته ، وتبادل الحوار العقلاني .

انشاء عن التسامح ( 3 )

معوقات تقف في طريق التسامح

 

هناك العديد من المعوقات التي تقف في طريق التسامح وتتعارض معه ، أبرزها :

1 – التطرف

يطلق هذا المصطلح على أي حركة أو اتجاه يشدد بثبات على التمسك الحر بمجموعة قيم ومبادئ أساسية ، والتطرف مصطلحا يضاد مصطلح الوسطية الذي يحمل في طياته معنى العدل والسماحة .

ولا شك أن التطرف إذا كان سلوكا شخصيا أو جماعيا فهو لا يعترف بالتسامح ؛ لأن ضيق أفق المتطرف أو المتطرفين يجعلهم لا يدركون فضيلة التسامح ؛ لأنها غريبة عن معتقداتهم الجامدة ، فالتطرف توقف عن الحركة الفكرية المنفتحة ، في حين التسامح وليد هذه الحركة وابنها البار .

2 – التعصب

يأخذ التعصب بين الناس اساليب وأشكالا عدة ، فهناك التعصب والتمييز العرقي ، والتعصب الثقافي ، والتعصب الديني ، والتعصب الطائفي ، وهو شعور الفرد بكراهية مبنية على تعميم خاطئ وجامد قد يوجه نحو جماعة معينة ككل ، أو نحو أفراد معينين ؛ لأنهم أعضاء في تلك الجماعة .

ويمكن أن نقول : إنّ الإنسان المتعصب هو الذي يتصف بالصفات التالية :

– يجعل عقله في خدمة هواه .

– يجدّ في نصرة رأيه بالعنف .

– ينأى عن الحوار والمناظرة ، ويضيق صدره بهما .

3 – العنصرية

العنصرية تعني الاعتقاد بأن الإرث الثقافي أو العنصري لجماعة الفرد يتفوق فطريا على الإرث الثقافي أو العنصري للجماعات الأخرى . يصاحب هذا الاعتقاد اتجاهات التعصب ضد أعضاء الجماعات التي صنفت بوصفها ” أدنى أو أقل ” .

وترتكز العنصرية على ثلاثة أسس :

1 – الإنسانية لا ترتد إلى سلالة واحدة ، بل إلى عدد من السلالات .

2 – أن هذه السلالات ليست متساوية في خصائصها ، بل إن بعضها يتفوق على بعضها الآخر .

3 – أن مظاهر الحضارة والرقي ترتبط بخصائص السلالات ، وعلى هذا فالجماعات المرشحة لصنع الحضارة هي الجماعات الأولى ، وليس على الجماعات الأخرى ( الأدنى ) إلا أن تظل تابعة أو خادمة للسلالات الأرقى .

انشاء عن التسامح ( 4 )

التسامح في الاسلام

 

الاسلام كان ولا يزال وسيظل دين التسامح والسعادة و السلام ، والوسطية والاعتدال . دين منفتح وغير منغلق ، دين مهيأ للبشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولذلك يبعث الله إلى من يجدد هذا الدين كل مئة سنة ، متجاوبا مع الظروف والأحوال والنوازل .

وإذا أردنا أن نرى قيمة التسامح في الاسلام مجسدة على الواقع ، فلنتابع سيرة أعظم رجل مثّل هذه القيمة العظيمة ، سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – الرجل القائد والمعلم والمربي ، تخرج من مدرسته أعظم القادة والرجال العظماء المؤمنين .

كان صلى الله عليه وسلم خير من يحفظ المعاهدات . ففي غزوة خيبر ، وجد المسلمون صحائف متعددة من التوراة ، فجاء اليهود يطلبونها ، فأمر صلى الله عليه وسلم بدفعها إليهم ، وهذا اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ سبقه تسامح آخر عندما ترك صحائف اليهود ، ولم يتعرض لها بسوء ، مع شدة عداوة اليهود للمسلمين .

فقد سمح لبني النضير بعد غزوة أحد ، بحمل صحفهم عند جلائهم عن المدينة المنورة ، مما جعل ولنفسون ( كاتب ومؤلف يهودي ) يقول : ” لم يتعرض النبي – صلى الله عليه وسلم – بسوء لصحفهم المقدسة ، ويذكرون إزاء ذلك ما فعله الرومان حيث تغلبوا على  أورشليم وفتحوها سنة 70 مـ ، إذ أحرقوا الكتب المقدسة ، وداسوها بأرجلهم ، وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اليهود في الأندلس ، حيث أحرقوا أيضا صحف التوراة ، هذا هو البون الشاسع بين الفاتحين ممن ذكرناهم ، وبين رسول الإسلام ” .

والتاريخ خير شاهد لوفاء الرسول صلى الله عليه لعهوده ، حتى دفع ديات من قتل منهم خطأ ، وعفوه عن كل معتد مسيء منهم جاءه تائبا ، وأنه صلى الله عليه وسلم كا يشيع جنازاتهم ، ويحضر ولائمهم ، ويعود مرضاهم ، ويقترض منهم حتى توفي صلى الله عليه وسلم  ودرعه مرهونة  عند بعض اليهود في المدينة .

مصادر :

– ثقافة التسامح ضرورة أخلاقية واجتماعية وسياسية ( عبد القادر الشيخلي ) .

– التسامح في الاسلام ( شوقي أبو خليل ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *