بحث عن ابن خلدون : رائد علم الاجتماع

بحث عن ابن خلدون . في موضوع اليوم سنتحدث عن رائد علم الاجتماع ، والفيلسوف الذي ناقش نظريات مستقبلية بعقل مستنير ، ومنطق متعمق خبير .

ابن خلدون

 

لطالما اهتم علم الاجتماع بدراسة خصائص المجتمعات ، ومعاينة علاقاتهم وتفاعلاتهم في ظل محيطهم وبيئتهم .

وقد ظل إلى زمن بعيد حبيس مجال ضيق يحدده الخاصة من الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو وغيره ، ليتطور بعد ذلك بشكل كبير جدا ، بسبب الرجل الذي خرج عن قواعد الأقدمين ، وجعل لعلم الاجتماع مجالا واسعا يسع اختصاصات ودراسات معمقة ، وهو العلاّمة ابن خلدون .

 

من هو ابن خلدون ؟

 

هو عبد الرحمان بن محمد بن خلدون ، ولد في غرة شهر رمضان بتونس سنة 1332 ، وسط أسرة ساد فيها العلم ، الشيء الذي مهّد إليه سبل التعلم ، فتتلمذ على أبيه وعلى عدد من علماء تونس المشهورين في زمانه ، فنهل من العلوم الشرعية والعربية والرياضيات والمنطق والفلسفة .

بعدها تنقل بين ربوع المغرب الأقصى بسبب اجتياح الطاعون لتونس ووفاة والديه وعدد من كبار مشايخه جراءه ، واشتغل في عدد من الوظائف الحكومية أبرزها منصب ‘ كتابة العلامة ‘ في ديوان رسائل السلطان أبي إسحاق الحفصي ، وذلك بتوصية من الوزير ابن تافركين .

وفي سنة 755 هـ هاجر إلى فاس والتحق بالسلطان أبي عنان ، وتولى وظيفة الكتابة والتوقيع ، وهو منصب مهم جدا لا يتولاه إلا ذو علم واطلاع ومعرفة ، فكثر بذلك حساده وازدادت الوشايات والطعن من وراء ظهره ، خصوصا وأن حدث واتفق ابن خلدون مع الأمير المعتقل الحفصي على الفرار من سجنه ووعده بمنصب كبير ، الشيء الذي أثار غضب السلطان أبي عنان فأمر بحبس ابن خلدون سنتين ، وانتهت بوفاة السلطان .

بعدها ظل ابن خلدون يتنقل بين قصور السلاطين والأمراء ، متقلدا مناصب عدة ، الشيء الذي أكسبه معرفة ونظرة سياسية كبيرة جدا في أحوال العامة والخاصة من الناس والأمراء ، وأحوالهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، مما مهد له ذلك لتأليف تحفة فنية خالدة في التاريخ ، وهي مقدمة ابن خلدون .

 

مؤلفات ابن خلدون

 

لقد شهد عصر ابن خلدون تفككات وصراعات سياسية طاحنة ، الشيء الذي كوّن لديه معرفة سياسية اجتماعية كبيرة ، دفعته إلى تأليف كتابه الكبير والأشهر على الإطلاق وهو : ” كتاب العبر ، وديوان المبتدا والخبر ، في أيام العرب والعجم والبربر ، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” .

وهو مرتب على مقدمة وثلاثة كتب ، وأصل الكتاب الذي نقرأه اليوم بعنوان ” مقدمة ابن خلدون ” ، هو في الحقيقة يحوي فقط مقدمة الكتاب والجزء الأول منه بعنوان ” كتاب العبر ” .

إضافة إلى ذلك فلقد عثر المؤرخون على مخطوطات متفرقة ألفها ابن خلدون منها :

– لباب المحصل في أصول الدين .

– تلخيص عدد من كتب ابن رشد .

– تقييد في المنطق .

– شرح البردة .

– شفاء السائل لتهذيب المسائل .

 

ملخص مقدمة ابن خلدون

 

بلغ ابن خلدون من العمر 45 عاما ، فاكتسب نظرة ناضجة وواسعة حول الناس والمجتمع ككل ، فأراد أن يدون تاريخ المغرب بطريقة فلسفية عميقة تختص بالتحليل والنقد .

إذ رأى أن كتب التاريخ تهتم فقط بالسرد ونقل الروايات والأخبار ، وتهمل أي تعليق أو توجيه ، لذا جاء كتابه ‘ مقدمة ابن خلدون ‘ موسوعة علمية تاريخية اجتماعية أشاد بها علماء العرب والغرب .

وقد استغرق ابن خلدون في كتابة مقدمته خمسة أشهر فقط ، بل هو نفسه يبدي دهشته وإعجابه بما وفق إليه في هذا الوقت الوجيز .

وخلال ذلك كان يتنقل بين المراجع والبحث المعمق لتنقيح مقدمته بالشكل الذي يجعلها موضوعية وتحترم الأمانة العلمية التاريخية ، وفي ذلك يقول الأديب المؤرخ حنا الفاخوري :

” والموضوعية هي الصفة الرئيسية لمقدمته . فابن خلدون يصف الأحداث ويحاول إيجاد القوانين التي تسيرها من غير أن يظهر ميوله وآراءه الخاصة ” .

وقلنا أن كتاب المقدمة هو في الحقيقة جزء من كتابه الطويل الكبير : ” العبر ” ، ويختص بالعمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان ، والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما إلى ذلك من العلل والأسباب .

 

قالوا عن ابن خلدون

 

– ‘ ابن خلدون من العلماء القلائل بين المسلمين الذين ابتكروا ولم يقلدوا ، فهو واضع أساس علم الاجتماع بمقدمته ، وإن كان أكمله علماء الأفرنج من الغرب ‘ ( الأديب والمفكر أحمد أمين ) .

– ‘ أما المقدمة فهي الكتاب الذي أحدث ثورة في أفكار العرب ، وعد من أمهات كتب العالم ، ولا نعلم كتابا علميا ولا دينيا حاز شهرة المقدمة حاشا الكتب الستة ‘ ( المفكر والأديب محمد كرد علي ) .

– ‘ إن ابن خلدون يمكن أن يعتبر مفكرا عصريا بكل معنى الكلمة من وجوه عديدة…إنه درس الحوادث الاجتماعية بعمق هادئ رزين ، وأبدى آراء عميقة جدا ، ليس قبل كونت فحسب بل قبل فيكو أيضا ‘ ( عالم الاجتماع الألماني الكبير جومبلوفيتش ) .

– ‘ إن ابن خلدون نسيج وحدة في تاريخ الفكر ، لم يدانه مفكر كان من قبله ، أو جاء من بعده في جميع العصور ‘ ( المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ) .

 

من أقوال ابن خلدون

 

– اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء ، بل أن الأحياء أموات .

– الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جدا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات .

– حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة ، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب ، ويحجبون الشعب عنه ، فيصلون له من الأخبار أكذبها ، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منها الشعب .

– قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير .

– إن غلبة اللغة بغلبة أهلها ، وأن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم .

– السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه .

– قال المولي مخاطباً بني إسرائيل علي لسان موسى { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } فكان جوابهم { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } وقالوا له { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } = فعاقبهم بالتيه أربعين سنة ، والمقصود منه فناء الجيل الذين ألفوا الذل والقهر وتخلقوا به ، حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف القهر والمذلة ، ويظهر من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي به فناء جيل ونشأه جيل آخر .

– الحق لا يقاوم سلطانه ، و الباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه ، و الناقل إنما هو يملي و ينقل ، و البصيرة تنقد الصحيح إذا تمقل ، و العلم يجلو لها صفحات القلوب و يصقل .

 

وفاة ابن خلدون

 

ظل ابن خلدون يتنقل كطائر حر ينشد العلم والمعرفة ، ويتقلد مختلف الوظائف والمناصب ، وكان آخر مستقره بمصر حيث تولى وظيفة قاضي قضاة المالكية ، وتوفي سنة 1406 عن ستة وسبعين عاما ، تاركا وراءه علما وكنزا أصبح يدرس في كبرى الجامعات العالمية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *